Friday , 29 March - 2024

سودان تربيون

أخبار السودان وتقارير حصرية لحظة بلحظة

مأزق “المؤتمر الوطني” … حزب من؟!!! …

بقلم خالد التيجاني النور

1 مايو 2011 — كانت مسألة وقت لا أكثر خروج الخلافات بين قادة المؤتمر الوطني إلى العلن, وقد تسابقت الصحف في الأيام الفائتة على تصدير عناوينها الرئيسة بتصريحات مثيرة متبادلة بين اثنين من أركان السلطة تكشف عن الأزمة المكتومة في كواليس الحزب بعدما ضاقت بها الصدور, وظل الحديث عنها يدور همساً, أو يشار إليها من باب التحليلات والتكهنات, وكما هو متوقع فقد هرع بعض المتحدثين باسم الحزب يقللون من شأن وقع ما حدث, بل حاول بعضهم عبثاً أن يضفي شيئاً من المرح على المشهد بزعم أن في ذلك دلالة على سعة أفق الحزب وبرهان على حيوية الممارسة الديمقراطية في داخله, وقبوله بتعدد وتنوع وجهات النظر بين ناشطيه.

ولعله كان ممكناً قبول هذا التفسير الوردي لما حدث, ولا تزال تداعياته تتفاعل, لولا أن النزاع والصراع على النفوذ لتحقيق أجندة ذاتية داء قديم متأصل في المؤتمر الوطني منذ نشأته الأولى, وهو قول لا يلقى على عواهنه بل تشهد به سيرته وتاريخه القصير في سوق السياسة السودانية, والدليل الماثل بين أيدينا المفارقة البينة التي أظهرها النزاع الأخير, فالجدل الذي دار بين الرجلين لم يكن حول مضمون قضية “الحوار الوطني” وقيمتها ومدى جديتها وتأثيرها في تغييرالمسار السياسي للبلاد, بل أيهما أحق بإدارتها وامتلاك ناصيتها, الحزب أم المستشارية. ومن المفترض بداهة أن الأمر إذا كان يتعلق بقناعة وإيمان عميق بقضية “الحوار الوطني” وأنها السبيل الوحيد وفق حوار جدي وحقيقي لإعطاء فرصة جديدة لإنقاذ البلاد من مأزقها الراهن, فليس مهماً حينها من يقود الحوار نحو هذه الوجهة أو أن تتكامل الأدوار بين الأطراف المختلفة لتحقيق هذه الغاية إذا كانت فعلاً سياسة استراتيجية ل”المؤتمر الوطني” ومحل اتفاق عليها.

بيد أن أسلوب التراشق العلني بين الرجلين وتبادل تبخيس دور كل طرف في شأن “الحوار الوطني” يكشف عن أمرين مهمين أولهما أن مسألة “الحوار الوطني” في سياسة المؤتمر الوطني لا تعدو أن تكون مجرد شعار للاستهلاك السياسي بغرض شراء الزمن, أو بيع بعض المناصب في السلطة لمن يرضى من القوى السياسية أن يكون رديفاً وليس شريكاً حقيقياً في السلطة, والدليل على أن هذا الحوار أقصر بكثير من قامة الهموم الوطنية والتحديات الكبرى غير المسبوقة التي تواجهها البلاد في الوقت الراهن, ان الطرفين المتنازعين اشتجرا على كعكة “الحوار” لعلمهما أنه ليس مقصوداً لذاته أو أنه سبيل يقود لتغيير سلمي, بل هو مطروح كأداة للمناورة السياسية وبالتالي فإن الأمر متاح والباب مفتوح لاستخدامه كورقة في التنافس على كسب النفوذ أو تعزيزه داخل “المؤتمر الوطني”, والمصادفة وحدها جعلتنا نعيد في الأسبوع الماضي مقالاً نشرناه في فبراير الماضي بعنوان (حوار بلا إرادة إرادة للإصلاح والتغيير) قبل يومين من اندلاع معركة نافع/قوش, حللنا فيه موقف “المؤتمر الوطني” بشأن قضية الحوار الوطني, ولعل الأزمة التي نشبت بعد ذلك أكدت ما ذهبنا إليه.

ويذهب كثير من المراقبين إلى أن خروج الصراع المكتوم إلى العلن تغذيه معركة خلافة مبكرة بدأ يدور رحاها بعد إعلان الرئيس عمر البشير بعدم رغبته في الترشح للرئاسة مجددا, ومع أن إعلان البشير ليس حاسماً ولا نهائياً ولكنه كان كافياً لفتح الباب للسباق للطامحين لخلافته, وهم كثر, في ظل عدم وجود مرجعية معقود لها الرأي, وعدم بروز شخصية محل إجماع لخلافته وقد تساوت الكتوف بين الأنداد فاشتد الصراع بينها.

ومن المهم الإشارة هنا إلى أن التنازع الأخير الذي نشب بشأن “ملكية ورقة الحوار الوطني” ليس هو الدليل على تفاقم الخلافات بين قادة المؤتمر الوطني, ففي مقالنا “أزمة البرلمان وقميص عثمان” الذي نشر في مطلع الشهر الجاري بشأن قرار طرد النواب الجنوبيين ورد نصاً ” لا يحتاج المراقبون إلى كثير عناء واجتهاد في التحليل لإدراك أن هذا التعاطي غير المنطقي والمفتقر للموضوعية مع أزمة النواب الجنوبيين قد يعكس في الواقع وجها آخر من وجوه الصراع بين مراكز القوى المتعددة داخل حزب المؤتمر الوطني الحاكم. الآخذ في الاحتدام، وقد أطل بأكثر من وجه خلال الآونة الاخيرة. لقد تحول الحزب بالفعل إلى «كانتونات» وجزر معزولة عن بعضها البعض، وأصبحت كل جماعة تسيطر على إحدى مؤسسات الحكم تتصرف في السلطات التي تليها على النحو الذي يخدم أهدافها الصراعية بغض النظر عن انعكاسات ذلك السلبية على صورة الحزب ووحدته وقدراته القيادية ، ولم يعد هذا التنافس بين الأنداد على وراثة القيادة أمراً خافياً وقد سارت بذكره الركبان وسودت تصريحات قياداته المتناقضة الصحف، بل وتحدث البعض صراحة عن وجود هذا الصراع.

واستخدام البرلمان كأداة في الصراع السياسي علي النفوذ ليس جديداً في العرف الإنقاذي، وقد حاول الترابي استخدامه إبان الصراع الذي انتهى بانقسام الإسلاميين في خواتيم القرن الماضي. وكما كانت القضايا المثارة في ذلك الوقت لا تعكس حقيقة الصراع الدائر في الكواليس، فإن أزمة النواب الجنوبيين الحالية ليست سوى قميص عثمان، فالذين يرفعونه يدركون أكثر من غيرهم أنه لا فرق بين ذهابهم الآن أو بعد أشهر معدودة لأن ذلك لا يعني شيئا، ولكن إثارتها سانحة مواتية لتعزيز المواقف في الصراع الداخلي وتصفية الحسابات” انتهى الاقتباس.

ولعل السؤال المحوري هنا من يملك مفاصل السلطة في نظام الانقاذ, وأين تكمن موازين القوى داخله, وكيف تدار لعبة السلطة؟, وهل يملك “المؤتمر الوطني” حقاً تلك الأهمية التي يخلعها عليه البعض, بمعنى هل هو فعلاً “حزباً حاكماً” ومصدراً للسلطة, أم أنه مجرد “حزب الحكومة” متكئاً على سلطتها في اكتساب دور له؟!. وهل هو حزب يملك مشروعية سياسية مستقلة عن ملابسات وصول نظام الإنقاذ إلى السلطة بانقلاب عسكري, وما يعنيه ذلك من دور محوري للمؤسسة العسكرية, وهل من الممكن تصور استمرار دوره له في غياب أو بمعزل عن استمرار دور ورمزية المشير عمر البشير؟.

الواقع يشير إلى أن “المؤتمر الوطني” لا يعدو أن يكون أقرب إلى “مصلحة حكومية بيروقراطية” منه إلى حزب سياسي فعال يستند إلى مشروعية شعبية يملك أوراق النفوذ الحقيقية ويعد مصدراً ومرجعية للسلطة, ومأزق “المؤتمر الوطني” أنه حزب صنعته واستولدته حكومة عسكرية قابضة على دست الحكم بالفعل, ولم يكن أبداً ذلك الحزب الذي أوصل حكومته إلى السلطة, وعلى الرغم من أنه ظاهرياً يبدو امتداداً أو ظلاً ل”الحركة الإسلامية” بعد استيلائها على السلطة بانقلاب عسكري. لقد نشأ “المؤتمر الوطني” بعد سنوات قلائل من الانقلاب ليوفر ذراعاً سياسياً للسلطة العسكرية, وكشأن كل الأحزاب التي تصنعها أنظمة عسكرية فقد ولد مثلها حزباً واحداً شمولياً يزعم لنفسه صفة “الكيان الجامع لأهل السودان”, ويطمع أن يقدم بديلاً نهائياً ودائماً لنظام سياسي جديد يسد فراغ القوى السياسية التي انقلب عليها, وحين اكتشف بعد حين أن ذلك يقود لطريق مسدود ولا يحل أزمة النظام السياسي حاول فتح الباب لتعددية حزبية مشوهة باسم التوالي, وحتى تلك كان متنازع حولها داخله, ثم وسع الباب لتعددية حزبية مضبوطة الاداء بآلته الامنية, ومحددة الإقامة بأدوات السلطة الضابطة.

والدلالة الواضحة على أن “المؤتمر الوطني” حزب يستمد وجوده وأسباب بقائه من السلطة, فإن ايأ من قادته لم يظهراً اقتناعاً بأن له نفوذاً ك”حزب حاكم” يتفرغ له ويستغني به عن وظائف أخرى, ولأنهم جميعاً مقتنعون بأن النفوذ الحقيقي يستمد من الوجود في السلطة التنفيذية وليس في الحزب, فقد حرصوا جميعاً على الرغم من تنسمهم مناصب قيادية في الحزب على الحصول أيضاً على مناصب حكومية توفر لهم نفوذا فعلياً لا يجدونه في “الحزب الحاكم” الصفة التي تتبرع بها الصحف عليه من باب التدليل لا أكثر.

ويبدو أن الذين انخرطوا في معركة مبكرة للخلافة من المدنيين أنساهم الزمن طبيعة النظام القائمة بالأساس على مشروعية المؤسسة العسكرية ورمزية قيادتها, وارتباط الاستمرار في الإمساك بمقاليد السلطة بوجود شخصية عسكرية على رأس النظام إذا قُدر له بالطبع البقاء لأجل أخر , ف”المؤتمر الوطني” لم يعجم عوده في الساحة السياسية بمشروعية شعبية حقيقية بعيداً عن نفوذ الحكومة وسلطتها, ولم يبرز حزباً مدنياً فعالاً مستغنياً عن الاستفادة من دور زعيمه الذي ظل حريصاً على التمسك برمزيته العسكرية.

وعلى الرغم من أنه مضى عام على قرار البشير التنحي عن منصب القائد العام للقوات المسلحة بين يدي الانتخابات الماضية للتوافق مع المتطلبات القانونية للترشح للرئاسة, فإن دوره في قيادة المؤسسة العسكرية لم يتغير, بحكم احتفاظه برتبه العسكرية وموقعه قائداً أعلى, وكنا توقعنا ذلك في مقال نشر حينها بعنوان “قرار التنحي .. وداعاً للجيش أم إلى لقاء”, وكان مما أوردناه في ذلك المقال “ويبقى وجه آخر مهم في قراءة الدلالة السياسية لقرار البشير بالتنحي والتقاعد وفق المعادلة التي تمت، هذه المرة على صعيد الوضع الداخلي لحزب المؤتمر الوطني عامة، وللحركة الإسلامية خاصة، وكما هو معلوم فإن واحداً من الأسباب المبكرة التي زرعت بذور الشقاق في أوساط الإسلاميين بعد الانقلاب العسكري في عام 1989، كان الخلاف بشأن وضعية العسكريين في سلطة الإنقاذ، فالدكتور حسن الترابي كان يرى أن يتقاعد العسكريون الذين يريدون الانخراط في العمل السياسي عن خدمتهم بالقوات المسلحة، وهو ما استجاب له بعضهم، في حين أصرت الأغلبية على الاحتفاظ بخدمتهم العسكرية وعدم التخلي عن دورهم السياسي وعلى رأسهم البشير، فعلى خلفية بداية التصدع في صفوف قيادات الإنقاذ منذ العام 1992، بدأت عملية بناء النفوذ داخل الجناحين، وكان طبيعياً أن يرى العسكريون في بقائهم داخل المؤسسة العسكرية ضماناً في وجه محاولات إقصائهم من السلطة بعد ان استتب الأمر دون اعتبار لإقدامهم على تحمل المسؤولية الأكبر بالمشاركة في التنفيذ وفي توفير غطاء للانقلاب. فضلاً عن أن العسكريين رأوا في المساندة الشعبية التي حظوا بها في تلك الفترة تمنحهم مشروعية خاصة، وشعبية تتجاوز قواعد الإسلاميين.

واللافت أن بوادر الانشقاق في وسط الإسلاميين لم تكن بين المدنيين والعسكريين. ولكن الخلاف دب في الأساس بين المدنيين بين «الشيخ وأصفيائه الأقربين»، وانتهى لما هو معروف من مفاصلة، ولكن المهم في هذا الخصوص أن المدنيين المنشقين على شيخهم لما يجدوا مناصاً من الاصطفاف وراء البشير، صحيح أنهم حاولوا الاستفادة من نفوذه العسكري في حسم الصراع لصالحهم، ولكن رمزية البشير القيادية تجاوزت التكتيك المرحلي لهذه المجموعة لتتحول إلى زعامة مطلقة للنظام الانقاذي وليد مشروع الحركة الإسلامية السياسي.

وفي الواقع فإن الاصفياء المنشقين على زعامة شيخهم، لم ينجحوا في تحقيق ما فشل فيه أيضاً، وهو استخدام العسكريين غطاءً لتمرير أجندتهم السياسية، فقد أثبت البشير مجدداً أن العسكريين اكثر ذكاءً من المدنيين وقدرة في لعبة السلطة، وليست هذه هي المرة الوحيدة التي ينقلب فيه السحر على الساحر، فالانقلابات العسكرية التي حكمت السودان جاءت كلها بتدبير قوى حزبية، ولكن كانت دائماً ما تؤول سلطتها في نهاية الأمر للعسكريين، وهو أيضاً ليس بدعاً في العالم العربي ومعلوم ما جرى للأحزاب العقائدية التي راهنت على الجيش استعجالاً للتغيير” انتهى الاقتباس.

ويبقى مأزق “المؤتمر الوطني” أنه لا يعرف على وجه التحديد أنه حزب من؟ وبلا رؤية فكرية واضحة ولا مشروع السياسي مما يدل عليه تدني مستوى خطابه الإعلامي ولا يحدث ذلك من فراغ لأنه لم تعد لديه أفكاراً ولا مشروعاً يروجها سوى انه يريد الاحتفاظ بالسلطة لذاتها مكاسبها ومغانمها, فالحزب الذي كان يصف نفسه ب”الكيان الجامع” فقد مبررات وجوده حين انقسم على نفسه قبل عشر سنوات, حيث أثبت انه عاجز حتى عن جمع قادته المفترض أنهم يستندون إلى “مرجعية عقدية وفكرية واحدة” فكيف يكون مؤهلاً ليجمع السودانيين بكل تنوعهم الثقافي والعرقي والديني, وتأكدت مرة آخرى عدم قدرته على أن يكون كياناً جامعاً حين ودع قبل أسابيع عضويته من الجنوبيين بعد الانفصال, الذي يتحمل قسطاً كبيراً من المسؤولية في حدوثه, والسؤال ما هي جدوى ومبررات وجوده بعدما فقد وحدة جماعته الفكرية, ثم وحدة جماعته الوطنية؟.

ويزيد من مأزقه أن الأغلبية الصامتة من “الإسلاميين” لم تشعر أبداً أن “المؤتمر الوطني” يعبر عنهم حقاً, وبدا لهم كياناً سلطوياً غريباً, لذلك أثرت أغلبيتهم الابتعاد عنه وعدم الانخراط فيه, ولذلك افتقد “المؤتمر الوطني” لتلك الحيوية الدافقة والكفاءة العالية التي كانت تميز الكيانات السياسية التي كانت تعبر عن الإسلاميين حقيقية بفضل ذلك العدد الكبير من الكوادر الكفؤة التي كانت تقدمها قناعتها المركوزة وقدراتها وإمكانياتها العالية.

وامر آخر جعل “الإسلاميون” يزورون عن “المؤتمر الوطني” اكتشافهم أن تنظيمهم الحركي كان أكبر ضحايا انقلابهم العسكري, وتلك واحدة من المفارقات التاريخية الكبرى, فامر الانقلابيين بحل الأحزاب السياسية وحظر نشاطها كانت الجهة الوحيدة التي صدقته ونفذته فعلاً هي “الجبهة الإسلامية القومية”, وهو أمر نفذته بدقة عالية قيادة الحركة تحت زعامة الترابي بزعم أن مرحلة الوصول إلى السلطة تقتضي توسيع مواعين العمل السياسي ليضم أغلبية من غير عضوية الحركة, وقد كان فتكاثر متعهدو الانظمة الشمولية على الكيان السياسي الجديد, ليتشكل بذلك تحالف جديد للسلطة استأثرت فيه نخبة من قادة الحركة بكل إرثها ليشكلوا طبقة سياسية مغلقة احتكرت الحكم باسم “الإسلاميين” الذين أثر أغلبهم الإنزواء والصمت, والتحسر على المشروع الإسلامي حلمهم الذي اختطف بليل بأيدي قادتهم, وليس بأيدي غيرهم.

والحديث هنا عن “المؤتمر الوطني” ينسحب بالضرورة أيضاً على “المؤتمر الشعبي” أيضاً فالانقسام الذي حدث بينهما لا يغير من حقيقة أنه الوجه الآخر للعملة ذاتها, فهما شريكان في كل أخطاء التأسيس البنيوية, وكما هو حادث الأن فالصراع الذي أدى للانشقاق لم يكن بسبب تباين الرؤى الفكرية أو المواقف السياسية بقدرما كان صراعاً على النفوذ والإمساك بمفاتيح السلطة وحين خرج الترابي منشقاً بحزبه لم تهرع الاغلبية الصامتة التي كانت عازفة عن الانخراط في “المؤتمر الوطني” للانضمام إليه, لأنها كانت تدرك أن ذلك الحزب وهو موحد لم يعبر عنها فكيف يعبر عنها نصفه المنشق؟.

لقد فشل المؤتمر بنسختيه “الوطني” ” والشعبي” أن يرث الحركة الإسلامية بكل زخمها وقدراتها, وإن بقيا ظلاً باهتاً لها, ففي كل تجلياتهما ظلا حزب الرجل الواحد, فالمؤتمر الوطني في نسخته الأولى كان حزب الترابي, وعندما غادره أصبح الوطني حزب البشير, أما الشعبي فلا يعدو أن يكون مجرد واجهة لنشاط الترابي.
فهل تكتفي الأغلبية الصامتة من الإسلاميين بالجلوس في مقاعد المتفرجين مكتفية بالتحسر والبكاء على اللبن المسكوب, أم تنهض لتلعب دوراً إصلاحياً ليس من أجل الحفاظ على السلطة التي جاءت ممارستها على مدى عقدين خصماً على القيم الأخلاقية لمشروعهم الإسلامي, ولكن من أجل الإسهام في حوار جاد ومسؤول مع الجماعة الوطنية بمختلف مشاربها وتنوعها يؤسس لمشروع وطني جديد للسودان يسع لكل أبنائه بنظام ديمقراطي حقيقي يستفيد من عثرات الماضي وعبره, ولا يعيد إنتاج أزماته المتطاولة.

Leave a Reply

Your email address will not be published.